بين العشرين ومواجهة الثلاثين

بين العشرين ومواجهة الثلاثين 


كانت تظن أنها ستبقى طفلة العشرين عاماً تتكأ علي صديقتها المقربة تسابق المرح تعلق الآمال، تعلق الأماني في فضاء غرفتها وتنسج أحلامها بخيوط ملونة تجعل عيناها تلمع

تواعدتا أن يبقوا إلى الأبد أصدقاء لا يخفون شيئاً عن بعضهما وستظل أوردته قلوبهم متشابكة مهما أبعدتهم المسافات

 

كانت تظن أن الحياة ستعطيها فرصة لكي تداوي ما فعلته بها كل الكلمات المؤلمة التي تظاهرت بتجاهلها تظن أن المستقبل القادم مشرق رائع لدرجة أنه ينسيها الأصدقاء الذين خذلوها والأشخاص الذين تخلو عنها رغم الصدق رغم عاطفتها رغم العطاء اللامتناهي الذي تلبسه لأرواح الذين تحبهم

أمسكت بقائمة أحلامها وقفت على عتبات الحياة ممتلئة بكل الإصرار لتمشي نحو الثلاثين عاماً وهي في أبها حلة نجاحها

لكن لم تكن تتوقع أن أول خطوة تضعها خارج عتبة حياة العشرين متصلة ببحر هائج ليس سهلاً أن تربح أن تحقق ما تريد

الموج المتقلب تناثر بينها وبين صديقتها بعدما كانتا تواعدتا على المقاومة سويا والتشابك بالأيد

عاهدتها على أن المسافة لا تكسر صداقه قويه

ظنت الغافلة أن المسافة هي السبب الذي باعد بينها وبين صديقتها وإنها ستلتقيان على الشاطئ يتبادلان النكات وتعلو صوت ضحكاتهن كانت تظن أنها ستصل منتصرة للشاطئ  لتحتفل مع صديقتها كانت تعلم أن هناك مرفأ آخر أكبر من الشاطئ  وأكثر راحه لكنها وضعت كل الثقة في ان صديقتها ستقابلها على الشاطئ متجاهله عمداً وجود المرفأ الآخر

كلما زادت المسافة ألقت اللوم على الأمواج كانت ترى الصديقة تسبح تضحك تشعر بمتعه لكنها آمنت أن صديقتها تتبنى هذه الضحكات حتى لا تشعرها بالتعاسة بينما كانت تتبنى وهمها بصديقتها كانت الأخرى تجمع الألواح لتعطيها القوه وما أن استجمعت قوها جدفت بحلمها بعيداً للمرفأ الأكثر راحه وليس شاطئ بسيط لكنها أكملت في عنادها مع الحقيقة كانت تؤمن أنها ركضت من الشاطئ للمرفأ ستجتمعان مجدداً وتتلاشى المسافة التي وجدت عندهما في الموج

 

الأمواج كانت عالية

كانت وتقاوم وتحفز نفسها أن لا تنظر للخلف أن تنسى من تخلوا عنها أن تكمل المقاومة لتضمن حراره اللقاء والاجتماع بصديقتها  لكن بمرور الأيام وتزايد جروح قلبها والآلام وصوت تكسر أحلامها عند ارتطامها بأمواج الواقع أضعف حسابها بالوقت قاومت أكثر أبت أن تضعف رغم كل ما كان ، أحيانا يسقطها الموج وأحيانا تحاول السباحة أحيانا تعلق ما بين الغرق والطفو وتتقلب بينهما يخنقها الناس بكلماتهم وتُجرح وهي تقاوم ويشتعل الجرح لكنها تقاوم إلى أن فقدت التمسك بالأحلام فقذفها الموج للشاطئ

عندما وصلت للشاطئ أدركت أن توقعاتها مهترئة وعُمرها مضى بلغت الثلاثين وبلغ الإرهاق. . الحزن. . الانكسار منها مبلغه رتبت شتات نفسها خبأت جراحها جيداً رسمت بزيف بسمه حتى لا تقلق صديقتها عند اللقاء المنتظر أسرعت تركض على شاطئ صخوره حوافها مدببة بأرجل عارية لتصل لمرفأ صديقتها تحملت الألم ، وصلت وجدت صديقتها تلهو مع أصدقائها الجدد ويتشاركن الأسرار وبالرغم أنها ليست اجتماعية حاولت أن تجد مكاناً في دائرة الأصدقاء حتى استطاعت أن تعطيها هدية الوصول بعض من صخور الشاطئ المدببة الملونة وعليها بعض بقع دم في شكل كريستال لامع أخذت الصديقة الهديه منها أسرعت الأخرى في احتضانها أخيراً اجتمعت معها بعدما حال الموج بين اللقاء لكن اللقاء لم يكن حاراً كما توقعت كانت ابتسامه الصديقة ادعاء

والحضن ... الحضن لم يكن دافئاً أبداً كان بارد وكأن الثلج غلف كل شيء حاولت أن تذيبه أن تتقابلا في صباح كل يوم لتذيب هذا الجليد الأمر كان جيداً في البداية ثم لم تخرج الصديقة للشمس مع رفيقتها التي انتظرتها كل هذا الوقت خرجت شعرت بالوحدة راحت لتشاهد الشمس وحدها لكن المصادفة كسرت إيمانها القوي بصديقتها عندما وجدتها تستمتع بالصباح مع اصدقائها الجدد نادتها مرارا لم تجب قررت الرحيل ليس لها مكان في هذا المرفأ لم تعد ذات أهميه لأي شخص عليه عادت من الرحلة بخيبة أمل عجز كتفاها عن حملها لم تعد تعلم هل الألم خيبه أم صخور عادت حيثما كانت على الشاطئ وحدها هناك ناجون آخرون حاولت أن تنبت منهم زهره صداقه جديدة لكن الجميع لم يطل عهدهم بهذا الشاطئ الكل يرحل قريباً ما أن تواتيه الفرصة

ادركت أنها خرجت من عشريناتها تحمل خلاصة تلاطم الواقع مع الخيال ، الحقيقة والخداع

الثقه والشك

كفرت بالصداقة ابتعدت عن الناجون لأنهم سيرحلون كما هو دائماً

اكتشفت أنها تحولت لشخصاً آخر غير الطفلة العشرينية الحالمة  التي دخلت، أصبحت لا تهتم أن يحبها أحد ولا أن يتمسك بها شخص ما بعدما كانت تموت من أجل إبقاء الأشخاص بجانبها كي لا تبقى وحيدة في الماضي أصبح صمتها دائماً معتماً حفرت من الصمت كهفها عزلتها  التي تلجأ إليه تنتظر أن تحدث معجزة فتقلب موازين حياتها وتشعرها ولو بشيء بسيط من السعادة ربما لديها أمل تبقى من صراعها لكن لم يحدث استمرت بمراقبة الأيام تمضي ممسكة بعمرها تفرط حباته يوماً بعض يوم، تضغط عليها لتزهد في الدنيا وتصمت أكثر

غالت في حماية قلبها وحفته بعدة جران حتى لا تأسى على من رحل

لكنها أدركت بعد فترة كمون في قلبها أن لا شيء يموت لا الحب ولا الأصدقاء الذين نرغب منهم حمايتنا من الوحدة

حتى الوحدة الحزن الجهاد ضد الحزن من أجل رفع رأيه السعادة أو على الأقل الرضا

لا شيء يتغير فقط طريقتها في التفكير في ترتيب الأمنيات، في الأمنيات نفسها، علمت أنها عندما نضجت علمت أنها لم تفشل لكن الذي أرادته في طفولة العشرين لم يكن لها سوى سخافة ماضي في الثلاثين والذي كان يبكيها في العشرين أصبح دافع لمحاربته في الثلاثين، ربما أصبحت أكثر أنانية أو لربما أكثر حذراً لا ترفع الآمال إلى السماء ولا تهبط بها تحت قدميها.

ربما النضج أن نرى بشكل أفضل الأهميات ونضع الأعذار أو نتجاهل سقطات الآخرين أن نتمعن جيداً في الشمس الهواء والبحار أن نتعلم شيئاً من الطبيعة المذهلة أن الحياة تتقلب  لا داعي للبكاء على العواصف والسماوات المظلمة لأن الشمس ستشرق في وقت ما ربما ليس في حينها ربما بعد دقائق أو حتى ساعات، أيام لكنها ستشرق ويشرق معها آملاً وينمحي معها وجعاً

النضج مؤلم لكن لولاه كنا مازلنا نسبح في سخافتنا أن تنضج يعني أن تحمل على عاتقك أن تحمي نفسك شر غيرك وتكف اذيتك عن غيرك أن تعلم أن القلوب مقدسة وتدنيسها تحت أي نوع من العلاقات التي يتغلغل فيها النفاق والكذب لا يغتفر .

 

تم .

 

فاطمه غريب